ضَاعَ أَبُوْ بَكْرٍ فِيْ الْغَابَةِ
فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تُحْدِقُ بِهَا الغَابَاتُ الكَثِيفَةُ الأشجار وَالجِبَالُ المُرتَفِعَةُ، كَانَ هناك وَلَدٌ يُدعَى "أبأ بكر". كَانَ أبُوْ بَكرٍ وَلَدًا فُضُولِيًّا مُعْجَبًا بالاِستِكشَاف وَاللَّعبِ فِي الطَّبِيعَةِ. كَانَ يَصْحَبُ أَصدِقَائَهِ كَثِيرًا لِيَلعَبُوا بِقُربِ الحُقُولِ، وَلَكِنَّهُ فِي يَومٍ قَرَّرَ أَن يَذهَبَ لِوَحدِه إِلَى الغَابَةِ الكَبِيرَةِ.
فِي البِدَايَةِ، كَانَ سَعِيْدًا وَيَركُضُ بَينَ الأَشجَارِالْكَثِيْفَةِ، يَجمَعُ الأَزهَارَ الْمُتَنَوِّعَةِ وَيُلاحِقُ الفَرَاشَاتِ الْجَمِيْلَةَ. كَانَ يَستَمِعُ إِلَى أَصوَاتِ العَصَافِيرِ وَيَضحَكُ بِفَرَحٍ وَ يَمْرَحُ بِمَنَاظِرَ بَهِيْجَةٍ. وَلَكِن، مَعَ مُرُورِ الوَقتِ، أَمْعَنَ أَكثَرَ فِي الغَابَةِ وَلم يَنتَبِه أَنَّهُ بَعُدَ كَثِيرًا عَن طَرِيقِ القَريَةِ. وَحِينَمَا حَاوَلَ العَوْدَةَ، لَم يَجِدِ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا.
بَدَأَ قَلبُهُ يَتَدَفَّقُ بِسُرعَةٍ، وَجَلَسَ تَحتَ شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ يُفَكِّرُ فِيمَا يَسْتَطِيْعُ الْقِيَامَ بِه. كَانَ يَشعُرُ بِالخَوفِ وَالوَحدَةِ. حَاوَلَ أَن يَصعَدَ صَخْرَةً كَبِيرَةً لِيَنظُرَ حَولَهُو وَيَجِدَ أَيَّ أمَلٍ، وَلَكِن كُلَّ مَا رَآهُ هُوَ أَشجَارٌ طَوِيلَةٌ وَظِلَالٌ مُظلِمَةٌ، مِثْلَ ظَلَامٍ حَالِكٍ.
مَرَّت سَاعَاتٌ وَالشَّمسُ بَدَأَت تَغرُبُ. أَبُوْ بَكْرٍ شَعَرَ بِالْجُوْعِ وَ الْعَطَشِ. فَوَجَدَ بَعضَ التُّفَّاحِ البَرِّيِّ عَلَى الأَرضِ فَأَكَلَ قَلِيلًا مِنْه، وَشَرِبَ مِن نَهْرٍ صَغِيرٍ يَجرِي بَينَ الأَشجَارِ. بَعدَئِذٍ، جَلَسَ وَعَينَاهُ تَملَؤُهُمَا الدُّمُوعُ، يُفَكِّرُ فِي وَالِدَيْهِ اللَّذَينِ لَا بُدَّ أَنَّهُم قَلِقُونَ عَلَيهِ.
وَ أَثْنَاءَ ذلك، كَانَ أَهلُ القَريَةِ قَد بَدَؤُوا بِالبَحثِ عَنهُ. اجتَمَعَ الرِّجَالُ وَالشَّبَابُ، وَأَمسَكُوا بِالمَصَابِيحِ وَالمَشَاعِلِ إِلَى الْغَابَةِ، وَدَخَلُوا الغَابَةَ يُنَادُونَ: "أَبَا بَكْرٍ! أَبَا بَكْرٍ!". أَصغَى أَبُوْ بَكْرٍ جَيِّدًا، وَبَعْدَ قَليلٍ سَمِعَ أَصوَاتًا بَعِيدَةً. فَأَسْرَعَ وَصَاحَ بِأَعلَى صَوتِهِ: "أَنَا هُنَا! أَنَا أَبُوْ بَكْرٍ!".
كَانَ صَوتُهُ ضَعِيفًا فِي البِدَايَةِ، وَلَكِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَمِعَ صَوْتَه الضَّعِيْفَ. فَنَادَى البَاقِينَ، وَتَتَبَّعُوا الصَّوتَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَيهِ. عِندَمَا رَآهُم أَبُوْ بَكْرٍ، هَرْوَلَ نَحوَهُم وَبَكَى فِي حِضْنِ عَمِّهِ. كَانَ مُتَّسِخًا وَمُرْهَقًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ آمِنًا.
أَخَذُوهُ مَعَهُم إِلَى القَريَةِ، وَهُنَاكَ كَانَت أُمُّهُ تَنتَظِرُ وَعَينَاهَا تَذْرِفُ الدُّمُوْعَ. ضَمَّتْهُ بِقُوَّةٍ وَقَالَت: "الحَمدُ لِلَّهِ عَلَى سَلامَتِكَ يَا بُنَيَّ". وَفَرِحَ أَبُوهُ وَالجَمِيعُ بِالعَودَةِ السَّعِيدَةِ. وَمُنذُ ذَلِكَ اليَومِ، تَعَلَّمَ أَبُوْ بَكْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ أَن لَا يَذهَبَ وَحدَهُ إِلَى أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ




